الخميس 16 ماي 2024 الموافق لـ 8 ذو القعدة 1445
Accueil Top Pub

رحيــل الكــاتبــة الجــزائريــة الكبيـرة آسيـــا جبـــار


انطفأت أمس الأول الكاتبة الجزائرية آسيا جبار بباريس عن ثمانية وسبعين عاما. وبرحيلها يفقد الأدب الجزائري علما من أعلامه، بل وكاتبته الأولى التي وإن كانت أول شخصية مغاربية تدخل الأكاديمية الفرنسية، إلا أنها ظلت “مخلصة” لعالمها العميق، لنساء شنوة  ولجزائرها الخاصة التي طبعت طفولتها وشبابها وسكنتها إلى الأبد، فعملت على توثيقها فنيا، ضد النسيان وضد الفقدان. وكأنها لم تغادر تلك الطفولة أبدا، طفولة ستستعيدها في السبعين من عمرها الحافل وهي تسترجع بيت والدها وتستعيد الطفلة التي كانت تقود أمها في شوارع شرشال تشد يدها لتحميها من نظرات الرجال، وتستعيد الأب المصعوق من قيادة ابنته للدراجة. ذلك البيت/ العالم المغلق الذي دفعها إلى البحث عن الخلاص  في «نسوية» لم تكن ابنة ايديولوجية وثقافة بقدر ما كانت نتيجة لمعايشة الحيف الذي تعاني منه النساء الجزائريات اللواتي لا مكان لهن في بيت آبائهن وفي بيوت غيرهم من الرجال!
ولم تكن نسوية جبار من الأنواع الشائعة الصادمة، و لكنها نتيجة موقف إنساني يشبه تماما التزامها بالنضال من أجل استقلال الجزائر.
آسيا جبار الذي ظل اسمها يتردد في العشرية الأخيرة في مواسم نوبل والتي كانت أول شخصية مسلمة تدخل الأكاديمية الفرنسية (2005) من مواليد 30 جوان 1936 بشرشال واسمها الحقيقي فاطمة الزهراء ايملحاين من أسرة من البورجوازية الصغيرة المحافظة لأب مدرس  وأم صغيرة السن، وولدت أدبيا سنة 1957 برواية “الظمأ” لتنشر سنة بعد ذلك رواية “المتلهفون” أو “فاقدو الصبر” تبعتها برواية  أطفال “العالم الجديد” سنة 1962 و “القبرات الساذجة” 1967. الكاتبة التي اختصت في التاريخ درّست بجامعة الجزائر من 1962 إلى 1965 وفي ذات الجامعة درست في منتصف السبعينيات الأدب الفرنسي والسينما، وبعد ذلك ظهرت آسيا جبار بوجه جديد في رواية “نساء الجزائر في شقتهن” 1980 و”الحب، الفنطازيا» 1985، لتذهب أبعد من الجزائر في “بعيدا عن مدين”1991 أين قرأت التاريخ الإسلامي من خلال النساء المقربات من الرسول.
ولم تترك الأحداث الدموية التي عاشتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي الكاتبة على الحياد، حيث  تناولت التراجيديا في “أبيض الجزائر” 1996 و “وهران، لغة ميتة” سنة بعد ذلك  و “هذه الأصوات التي تحاصرني” 1999 و “المرأة دون جثمان” 2002. وبعد نشرها “اندثار اللغة الفرنسية” 2003  نشرتها رواية البيوغرافية “لا مكان في بيت أبي”.
وإلى جانب نشاطها في التدريس بين الجزائر وفرنسا ونيويورك وكتابتها الأدبية، أخرجت آسيا جبار فيلمين “نوبة نساء جبل شنوة»  و «الزردة أو أغاني النسيان”.
فقدت آسيا جبار والدها سنة 1995 في حين لا تزال والدتها باية على قيد الحياة وكانت من بين أفراد العائلة الذين وقعوا على بيان الوفاة  أمس، وتزوجت مرتين من 1968 إلى 1975 من الكاتب أحمد ولد رويس  المعروف باسم وليد كارن  ثم تزوجت بمالك علولة سنة 1981.
وعرفت الكاتبة الراحلة بانصرافها الكلي للكتابة وعدم انخراطها في النشاطات والمؤتمرات الثقافية خصوصا بالجزائر، إلى جانب عدم ظهورها في وسائل الإعلام كما يفعل غيرها من الكتاب، وفي السنوات الأخيرة بات اسمها يتردد في مطلع أكتوبر من كل عام بين أبرز المرشحين لجائزة نوبل، خصوصا بعد فوزها بجائزة الناشرين الألمان.
وحتى وإن صنفت جبار من بين الكتاب الكلاسيكيين للرواية، إلا أنها ظلت ولعقود طويلة قيمة ثابتة في الأدب المغاربي المكتوب بالفرنسية، وظلت موضوعاتها لصيقة ببيئتها الأولى، وكانت تؤكد دائما أنها وإن عبرت بالفرنسية فهي تبقى جزائرية ومسلمة.
وقد تسبب دخولها الأكاديمية الفرنسية سنة 2005 في عاصفة من النقد بالجزائر، حتى بين الكتاب الذين يكتبون بالفرنسية في صورة رشيد بوجدرة، الذي اعتبر ذلك اختيارا من الكاتبة  لفرنسا وانسلاخها عن الجزائر. ولمح الكثير من الكتاب إلى “عدم براءة”  قرار دخولها إلى محفل الخالدين.
لكن جبار استبقت منتقديها في خطبة الانتساب إلى الأكاديمية، بالتأكيد على أن الاستعمار جرح مؤلم يسعى البعض لإعادة فتحه  لدواع انتخابية، وكان دخول الكاتبة الجزائرية إلى الأكاديمية الفرنسية في عهد  الرئيس اليميني  جاك شيراك الذي استقطب مع رئيس حكومته دومنيك دوفيليبان  نخبا جزائرية ومغاربية إلى مختلف المؤسسات الفرنسية (حتى وإن كانت معايير الانتماء إلى الأكاديمية تختلف) في محاولة لتحقيق معادلة الاندماج وإثبات حسن النية تجاه أبناء الجنوب الذين انتسبوا إلى فرنسا وخدموا لغتها وثقافتها. وهي محاولة بدأت تشهد نهايتها في عهد ساركوزي الذي هدد بتكسير وجه الوزير الكاتب جزائري الأصل عزوز بقاق.
وبرحيل آسيا جبار  تفقد الجزائر آخر “الآباء المؤسسين” للأدب، ويفقد المغرب العربي آخر وجوهه البارزة في فرنسا والذين كانوا يحدثون التوازن الثقافي بين الضفتين ويتمتعون بالاحترام و”الهيبة”.
ولعل  ما يؤسف له أن آسيا جبار تكاد تكون مجهولة في الجزائر والعالم العربي، وربما كان موتها مناسبة لإعادة طبع أعمالها وترجمتها إلى العربية، في وقت يزدهر فيه سوق النشر غير المجدي والترجمة في الجزائر.                     

س-ب

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. أصبحت تحت وصاية وزارة الإعلام في 16 نوفمبر 1967م.
تعرضت لتعريب جزئي في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com