الخميس 16 ماي 2024 الموافق لـ 8 ذو القعدة 1445
Accueil Top Pub

أعاد الكلمة للشعب و حال دون إراقة الدماء: رحيل القائد الذي فكّك العصابة وأجهض مخططاتها


شاءت الأقدار أن يرحل الفريق قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، عن الجزائر بعد 10 أشهر بالتمام على اندلاع الحراك الذي أطاح بنظام الرئيس السابق. رحل الفريق بعدما أوفى بالعهد الذي قطعه أمام الجزائريين بحقن دماء الشعب والحفاظ على سيادته وإعادة الكلمة لهم لاختيار من يقودهم في المرحلة المقبلة.
لم تكن مهمة الفريق الراحل عن الجزائر سهلة ولا هينة، فالرجل واجه بحزم وإصرار مخططات كانت تهدف إلى إحراق البلاد وتدميرها، مهمة قادها باقتدار وبصيرة ومكنت قيادة الجيش من إحباط كل المؤامرات وصولا إلى تنظيم انتخابات رئاسية كانت محفوفة بالمخاطر، وتمكن الفريق من كسر شوكة الحاقدين وأعداء الداخل والخارج.
خلال هذه المرحلة الفارقة في تاريخ الجزائر، كانت كل خطاباته تتقاسم هما واحدا وهو كيف السبيل إلى إعادة البلاد إلى مسارها الصحيح دون إراقة قطرة دم واحدة، وقال في اجتماعات مع قادة النواحي «إنه لن يسمح بأن تراق قطرة دم واحدة» وإنه «لن يسمح باستعمال السلاح لمواجهة الشعب مهما كان الأمر وفي كل الظروف»، ولم يذهب قسمه بل رحل الرجل وقد أوفى بالعهد الذي قطعه على نفسه، رغم كل المحاولات التي حيكت في الظلام لتحويل البلاد إلى حمام من الدم.
خبر رحيل الفريق قايد صالح نزل كالصاعقة على الجزائريين، في الساعات الأولى من صبيحة أمس، وتداولته مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي، قبل أن يصدر بيان رئاسة الجمهورية الذي أعلن عن وفاة قايد صالح، والذي كان قد ظهر لآخر مرة الخميس الماضي خلال حفل تنصيب الرئيس المنتخب عبد المجيد تبون وأدائه لليمين الدستورية.  بعد أن ملأ الساحة على امتداد فترة عشرة أشهر من الأزمة السياسية التي أجرى فيها أكثر من 50 زيارة إلى الوحدات العسكرية، وألقى 53 خطاباً حول الأزمة والحلول الدستورية.
سيكتب التاريخ بأحرف من ذهب، أنه ولأول مرة في تاريخ الجزائر بل في الدول العربية ودول المنطقة، يصر الجيش وقيادته على التمسك بالحلول الدستورية وإعادة السلطة للشعب، رافضا إقحام المؤسسة العسكرية في المستنقع السياسي، فيما كانت تطالب أحزاب وقوى تصف نفسها بالديمقراطية بالخروج عن الدستور والسيادة الشعبية.
هكذا كانت البداية
البداية كانت في أواخر مارس الماضي، وقتها كانت الجزائر تعيش أولى أسابيع الحراك الشعبي الذي أدى إلى سقوط نظام الرئيس بوتفليقة، يومها عقد الفريق القايد صالح اجتماعا في مقر أركان الجيش، ضم كلًا من قادة القوات، وقائد الناحية العسكرية الأولى، والأمين العام لوزارة الدفاع الوطني، وخرج الاجتماع ببيان شديد اللهجة صدر عن الجيش، تحدث عن اجتماع شخصيات معروفة لـ«تحضير حملة إعلامية ضده ومحاولة تأليب الشعب ضد الجيش»، وجدّد الجيش، دعم مطالب الحراك وخلع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وطي صفحته.
وقال بيان الجيش حينها إنه «بتاريخ 30 مارس 2019، تم عقد اجتماع من طرف أشخاص معروفين، سيتم الكشف عن هويتهم في الوقت المناسب، من أجل شن حملة إعلامية شرسة في مختلف وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ضد الجيش وإيهام الرأي العام بأن الشعب الجزائري يرفض تطبيق المادة 102 من الدستور»، مشيرًا إلى أن «كل ما ينبثق عن هذه الاجتماعات المشبوهة من اقتراحات لا يتماشى مع الشرعية الدستورية أو يمس بالجيش الوطني الشعبي، الذي يعد خطاً أحمر، هو غير مقبول بتاتاً وسيتصدى لها الجيش بكل الطرق القانونية».
وكان قايد صالح يشير في تصريحاته إلى اجتماع عقدته شخصيات (اتضح فيما بعد أنه كان يقصد شقيق الرئيس السابق، وكل من محمد مدين وبشير طرطاق بحضور الأمينة العام لحزب العمل لويزة حنون)، لمناقشة مسألة تشكيل هيئة رئاسة انتقالية تدير المرحلة المقبلة ورفض مقترح الجيش تطبيق المادة 102 من الدستور.
بعد ذلك تسربت إشاعات عن إقالة الفريق قايد صالح من منصبه، وهو خبر نفته وزارة الدفاع، ونشرت على صفحتها الرسمية توضيحاً مقتضباً سيلحق ببيان توضيحي أن «الخبر الذي ينتشر حالياً حول إقالة الفريق أحمد قايد صالح وتعويضه باللواء سعيد باي لا أساس له من الصحة».
كما رفض الفريق أحمد قايد صالح، الاعتراف بالبيان الذي صدر باسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، مؤكداً أنه لم يصدر من قبل الأخير، بل من جانب جهة غير دستورية، في إشارة إلى السعيد بوتفليقة، شقيق الرئيس السابق، واصفاً المجموعة المقربة من بوتفليقة بالعصابة التي نهبت مقدرات البلاد، والتي قد حان وقت إنهاء وجودها السياسي. مؤكدا أن أي قرار يتخذ خارج الإطار الدستوري مرفوض جملة وتفصيلاً».
لا طموح سياسي للجيش
ولا حل خارج الدستور
ومع استقالة الرئيس السابق، انطلقت حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، استهدفت قيادة الجيش، والفريق قايد صالح وتحدثت عن رغبة الجيش في الاستحواذ على السلطة، وهي مزاعم رد عليها الفريق في خطاباته مؤكدا إنه «لا طموحات سياسية لقيادة أركان الجيش»، مضيفاً «طموحنا هو خدمة البلاد والمرافقة الصادقة لهذا الشعب الأصيل، للوصول ببلادنا وإياه إلى تجاوز أزمتنا».
وثبت نائب وزير الدفاع الوطني موقفه بشأن آليات حل الأزمة السياسية، ضمن السياق الدستوري ورفض أية مخرجات بعيدة عن هذا الإطار، مشددا على ضرورة «بلوغ أعتاب الشرعية الدستورية، للتمكن بعدها من الانطلاق على أرضية صلبة منطلقاً سليماً وصحيحاً». وأظهر الفريق أحمد قايد صالح، إصراراً على تنظيم الانتخابات الرئاسية، ومواجهة كل التحديات التي قد تعرقل سيرها.
وفي بداية سبتمبر اقترح الفريق أحمد قايد صالح، دعوة الهيئة الناخبة للانتخابات الرئاسية في 15 سبتمبر، وإجراء الانتخابات قبل نهاية السنة، وقال قايد صالح، في خطاب ألقاه خلال زيارته إلى ورقلة، إنّه «من الأجدر استدعاء الهيئة الناخبة في 15 سبتمبر، وإجراء الانتخابات الرئاسية في الآجال القانونية».
الجيش أجهض مؤامرة
لتدمير البلاد
وتحدث الفريق قايد صالح صراحة عن مخططات كانت تستهدف تدمير البلاد، وقال خلال زيارته إلى تمنراست» إن «القيادة العليا للجيش أدركت منذ البداية أن هناك مؤامرة تحاك في الخفاء ضد الجزائر، كشفنا عن خيوطها وحيثياتها في الوقت المناسب وتعاملت معها بحزم». مؤكدا أن الجيش نجح بمواقفه في «الحفاظ على مؤسسات الدولة وعلى سيرها الحسن»، قائلا إن «هذه المؤسسات تمكنت من تحقيق نتائج معتبرة ساهمت في طمأنة الشعب وخلق جو من الثقة المتبادلة».
وتطرق الفريق في عديد الخطابات التي ألقاها إلى تلك المخططات التي كانت تستهدف تدمير الجزائر، وضرب العلاقة القوية بين الجيش والشعب، وهو ما تحدث عنه خلال زيارته إلى قيادة الحرس الجمهوري، حيث أشار إلى مخطط دنيء يستهدف الجزائر، وقد تمكن الجيش من كشفه وفك خيوطه وإفشال المؤامرة التي كانت تُحيكها العصابة وأعداء الجزائر، وأوضح قائلا: «بفضل إدراك الجيش لأبعاد هذه المخططات الخبيثة وإدراك الشعب الجزائري لخطورتها تم إحباطها».
وأشار فقيد الجزائر إلى وجود محاولات وتركيز لرسم مسافة فاصلة بين الشعب والجيش، موضحا أن «القيادة العليا للجيش تعهدت بالحفاظ على الأمن»، مشيرا إلى أن «الجيش حافظ على كيان الدولة ومؤسساتها، وقدم حلولا موضوعية وعقلانية لتجاوز المرحلة، لم يُرضِ أعداء الجزائر في الخارج وأذنابهم في الداخل، وهؤلاء الأعداء الذين يعلمون جيدا أن الوحدة بين الشعب والجيش صمام أمان بلادنا، ولهذا ترتكز مخططاتهم على محاولة ضرب أسس هذه الوحدة، من خلال مغالطات وأكاذيب ثبت زيفها وبطلانها للشعب الجزائري».
وتجلت تلك المحاولات التي قامت بها دوائر مرتبطة بالنظام السابق، في بعض الشعارات التي رفعت خلال مسيرات الحراك الشعبي، والتي لم تكن تمت بأي صلة لمطالب الحراك، بل كان هناك توجها لاستهداف قيادة الجيش تحت شعار «دولة مدنية وليست عسكرية»، واعتبر الفريق قايد صالح، أن تلك المحاولات كان يراد منها إلى تضليل الرأي العام ومحاولة إحداث قطيعة بين الجيش والشعب، معتبراً أنّ هذه الأفكار والشعارات هي «جزء من مؤامرة سياسية» تدبرها من يصفها بـ»العصابة».
وأبدى قائد الجيش انزعاجاً مما وصفها بـ»حملات مسعورة» تتعرض لها المؤسسة العسكرية «من خلال نقاشات أثارتها وتثيرها دوائر مشبوهة حول دور الجيش في المجتمع»، مضيفاً أنّ «هذه الأفكار الخبيثة ليس لها وجود إلا في أذهان ونوايا من يروج لها، لأنّ الجيش المتمسك بمهامه الدستورية الواضحة والمدرك لحساسية الوضع وخطورة التحديات والرهانات يعمل على حماية الدولة والحفاظ على السيادة الوطنية ووحدة الوطن والشعب مهما كانت الظروف والأحوال».
الجيش وقف في وجه التدخلات الأجنبية
ومع مضي البلاد في مسار الانتخابات، ظهرت محاولات أجنبية للتدخل في شؤون البلاد، وأخرها البيان الصادر عن البرلمان الأوروبي الذي تحرك بإيعاز من دوائر فرنسية أزعجتها مواقف قاد الجيش الرافض لأية وصاية، والتي تحالفت مع مجموعات سياسية ومدنية في الداخل، وهي محاولات رد عليها رئيس الأركان بقوله إنّ «الجزائر حرّة مستقلة في قراراتها، ولن تقبل أي تدخل أو إملاءات من أي جهة كانت، ولا تخضع لأي مساومات من أي طرف مهما كان».
واتهم قائد الجيش أطرافاً سياسية ومدنية قال إنها مرتبطة بمن يصفها بالعصابة، بمحاولة الضغط على السلطة الجزائرية من الخارج، وقال إن «الشعب الجزائري سيُفشل محاولات الشرذمة من العصابة التي تلجأ، بعد فشل جميع خططها، إلى الاستنجاد بالأطراف الخارجية»، مشيراً إلى أن هذه الأطراف الأجنبية معروفة بحقدها التاريخي الدفين تجاه الجزائر».
تلك المحاولات الأجنبية حركت الشارع الجزائري الذي خرج في مسيرات عبر كامل التراب الوطني ضد التدخل الأجنبي، ورداً على اللائحة التي أصدرها البرلمان الأوروبي بشأن الوضع الحقوقي في البلاد، وكذلك لتأييد إجراء الانتخابات الرئاسية المقررة في موعدها، ودعم المؤسسة العسكرية وقيادة الجيش.
وثمن رئيس أركان الجيش ما وصفها بـ»المسيرات الشعبية التي تشهدها كافة ربوع وطننا، والتي وقف خلالها أبناء الشعب المُخلِصين صفا واحدا دعما للمسار الانتخابي، ومساندة للجيش في مواقفه، تترجم درجة النضج العالية لأبناء الجزائر ووعيهم بما يحاك ضد بلدنا من مكائد ودسائس ومؤامرات، لعرقلة مسيرة الجزائر والجزائريين».
يد العدالة تحت حماية الجيش
لم يقتصر دور الجيش على حماية البلاد من المؤامرات التي حاكتها العصابة، بل امتدت لتحرير العدالة من القيود التي كانت تكبلها والتي حالت دون تقديم الفاسدين للحساب، حيث تعهد رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح باستمرار الجيش في دعم القضاء حتى ملاحقة كامل المتورطين في قضايا الفساد، مهما كانت مناصبهم في الدولة والجيش، كاشفاً أن المؤسسة العسكرية بحوزتها ملفات فساد ثقيلة.
وقال أحمد قايد صالح في خطاب ألقاه أمام القيادات العسكرية في قسنطينة إن «مصالح وزارة الدفاع الوطني تملك معلومات حول ملفات فساد ثقيلة»، وكشف أن المؤسسة العسكرية كانت سباقة في ملاحقة عسكريين متورطين في قضايا فساد وسوء استغلال المنصب، وقال «نحن في الجيش لن نسكت وكنا السابقين لمحاربة الفساد من خلال إحالة إطارات عسكرية على القضاء العسكري، وسيبقى الجيش بالمرصاد وفقا لمطالب الشعب الملحة ولما يخوله الدستور».
وأطلق القضاء حملة ملاحقة شملت كبار رجال أعمال كانوا مقربين من محيط الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، بينهم زعيم الكارتل المالي علي حداد، كما شملت الملاحقات اثنين من رؤساء الحكومات السابقين، أحمد أويحيى وعبد المالك سلال، و وزراء في حكومات سابقة، وتعهد الفريق أمام الشعب أن مكافحة الفساد ستمتد إلى ملفات سابقة كقضايا (الخليفة) و(سوناطراك) و(البوشي) وغيرها من الملفات المتعلقة بالفساد والتي تسبب أصحابها في تكبيد الخزينة العمومية خسائر فادحة.
ع سمير

آخر الأخبار

Articles Side Pub
Articles Bottom Pub
جريدة النصر الإلكترونية

تأسست جريدة "النصر" في 27 نوفمبر 1908م ، وأممت في 18 سبتمبر 1963م. أصبحت تحت وصاية وزارة الإعلام في 16 نوفمبر 1967م.
تعرضت لتعريب جزئي في 5 يوليو 1971م (صفحتان)، ثم تعربت كليًا في 1 يناير 1972م. كانت النصر تمتلك مطبعة منذ 1928م حتى 1990م. أصبحت جريدة يومية توزع وتطبع في جميع أنحاء الوطن، من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب.

عن النصر  اتصل بنا 

 

اتصل بنا

المنطقة الصناعية "بالما" 24 فيفري 1956
قسنطينة - الجزائر
قسم التحرير
قسم الإشهار
(+213) (0) 31 60 70 78 (+213) (0) 31 60 70 82
(+213) (0) 31 60 70 77 (+213) (0) 6 60 37 60 00
annasr.journal@gmail.com pub@annasronline.com